كتب أستاذنا الرائع سمير عطا الله قبل أسبوع مقالاً مؤثراً بعنوان: «عقب التحية»، كرد إجراء على ما حصل في دولة السودان.وأتى فيه كخلاصة: إن للحياة الوطنية مدرستين، المدنية والعسكرية، ولكل منهما قواعدها وأصولهاوأعرافها، وما داموا – أي العسكريون – اختاروا حياتهم إلى نطاق السن فلا يجوز أن يتملكوا الاثنتينويمضي قائلاً ومؤكداً: ومن أجل ذلك الفارق العميق، فشلت جميع الأنظمة العسكرية في العالم – اختتم.
وأنا بدوري أقترح على السلطات المدنية المقبلة في دولة السودان، أن تطلق على القصر الجمهوري، أو وزارة الحراسة مسمّى «سوار الذهب»، ويكتب بالخط العريض، ليصبح رادعاً لكل ضابط تسوّل له ذاته في المستقبل أن يسرق أو يغتصب كرسي الحكم، ثم «يبلط» عليه عقوداً عدّة، ورحم الله الرجل النزيه الشجاع القنوع سوار الذهب الذي له من اسمه نصيب، ويستحق كذلكً أن ينصب له تمثال في أضخم مجالات العاصمة السودانية الخرطوم، على شرط أن يكون «بالزي المواطن لا العسكري»، وذلك أدنى تكريم يعمل له.
أوقفت سيدتان سائق سيارة أجرة وطلبتا منه أن يذهب بهما إلى أحد مواقف السكك الحديدية في باريس، فلما بلغ الموقف تذكرت السيدتان أنهما نسيتا نقودهما في البيت فاعتذرتا له فأجابهما: لا بأس ما دمتما ستدفعان فيما بعد، فقالت له إحداهما: شكراً لك على ذلك، وأعطته عنوانهما.
غير أن رفيقتها قالت لها: لكننا نسينا أيضاً أوراق السفر في البيت ولم يبق لدينا وقت للعودة لإحضارها، فقال لهما السائق: إلى أين تقصدان وفي أي درجة تسافران؟!، فأجابتاه عن سؤاله، فقال: إني أتولى الأمر بنفسي، وجاءهما بورقتين دفع ثمنهما من جيبه، وحمل حقيبتيهما وحثهما على الإسراع لكي لا تتأخرا عن موعد سفر القطار.
فقالتا له: ما اسمك وعنوانك؟ فنحن يهمنا أن نعرفه لكي ندفع لك عند رجوعنا ما نحن مدينتان لك به، فناولهما صورة من بطاقته وودعهما وانصرف، فقرأتا فيها ما يأتي:
الجنرال الكونت (…) الملحق بأركان الحرب العامة في روسيا أثناء الحرب.
على أن الشيء بالشيء يذكر، فإن الثورة البلشفية الروسية كانت شديدة الوطأة على النبلاء الروس فمن نجا منهم من القتل اضطر إلى الهجرة والسعي في ديار الغربة لتحصيل رزقه، ففي باريس وحدها كان هناك نحو خمسة آلاف روسي يشتغلون سائقي سيارات، السواد الأعظم منهم من النبلاء.
وهكذا هي الدنيا دوّارة، إنها كالخيارة يوماً في يدك ويوماً في الهواء.